فصل: ذكر وفاة زيادة الله بن الأغلب وابتداء ولاية أخيه الأغلب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر وفاة زيادة الله بن الأغلب وابتداء ولاية أخيه الأغلب:

في هذه السنة رابع عشر رجب توفي زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب، أمير إفريقية، وكان عمره إحدى وخمسين سنة وتسعة أشهر وثمانية أيام، وكانت إمارته إحدى وعشرين سنة وسبعة أشهر، وولي بعده أخوه أبوعفان الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب، فأحسن إلى الجند، وأزال مظالم كثيرة، وزاد العمال في أرزاقهم، وكف أيديهم عن الرعية، وقطع النبيذ والخمر عن القيروان، وسير سرية سنة أربع وعشرين ومائتين إلى صقلية فغمنت وسلمت.
وفي سنة خمس وعشرين ومائتين استأمن عدة حصون من جزيرة صقلية إلى المسلمين، منها: حصن البلوط، وابلاطنو، وقرلون، ومرو، وسار أسطول المسلمين إلى قلورية ففتحهأن ولقوا أسطول صاحب القسطنطيية، فهزموه بعد قتال، فعاد الأسطول إلى القسطنطينية مهزومأن فكان فتحاً عظيماً.
وفي سنة ست وعشرين ومائتين سارت سرية للمسلمين بصقلية إلى قصر يانة، فغمنت، وأحرقت وسبت، فلم يخرج إليها أحد، فسارت إلى حصن الغيران، وهوأربعون غارأن فغمنت جميعهأن وتوفي الأمير أبوعفان فيها على ما نذكره إن شاء الله تعالى.

.ذكر عدة حوادث:

ورح في هذه السنة، في شوال، إسحاق بن إبراهيم، جرحه خادم له، وحج بالناس هذه السنة محمد بن داود.
وفي هذه السنة سير عبد الرحمن بن الحكم صاحب الأندلس جيشاً إلى ألبة، والقلاع، فنزلوا حصن الغرات، وحصوره، وغمنوا ما فيه، وقتلوا أهله، وسبوا النساء والذؤية وعادوا.

.حوادث سنة أربع وعشرين ومائتين:

.ذكر مخالفة مازيار بطبرستان:

في هذه السنة أظهر مازيار بن قارن بن هرمز الخلاف على المعتصم بطبرستان، وعصى وقاتل عساكره.
وكان سببه أن مازيار كان منافراً عبد الله بن طاهر لا يحمل إليه خراجه، وكان المعتصم يأمره بحمله إلى عبد الله، فيقول: لا أحمله إلا إليك، وكان المعتصم ينفذ من يقبضه من أصحاب مازيار بهمذان، ويسلمه إلى وكيل عبد الله بن طاهر يرده إلى خراسان.
وعظم الشر بين مازيار وعبد الله، وكان عبد الله يكتب إلى المعتصم، حتى استوحش من مازيار، فلما ظفر الأفشين ببابك، وعظم محله عند المعتصم، طمع في ولاية خراسان، فكتب إلى مزيار يستميله، ويظهر له المودة، ويعلمه أن المعتصم قد وعده ولاية خراسان، ورجا أنه إذا خالف مازيار سيره المعتصم إلى حربه، وولاه خراسان، فحمل ذلك مازيار على الخلاف، وترك الطاعة، ومنع جبال طبرستان، فكتب المعتصم إلى عبد الله بن طاهر يأمره بمحاربته، وكتب الأفشين إلى مازيار يأمره بمحاربة عبد الله، وأعمله أنه يكون له عند المعتصم كما يجب، ولا يشك الأفشين أن مازيار يقوم في مقابلة ابن طاهر، وأن المعتصم يحتاج إلى إنفاذه وإنفاذ عساكر غيره.
فلما خالف دعا الناس إلى البيعة، فبايعوه كرهأن واخذ الرهائن فحبسهم، وأمر أكرة الضياع بانتهاب أربابها.
وكان مازيار أيضاً يكاتب بابك، واهتم مازيار بجمع الأموال من تعجيل الخراج وغيره، وفجبى في شهرين ما كان يؤخذ في سنة، ثم أمر قائداً له يقال له سرخاستان، فأخذ أهل آمل، وأهل سارية جميعهم، فنقلهم إلى جبل على النصف ما بين سارية وآمل، يقال له هرمزاباذ، فحبسهم فيه، وكانت عدتهم عشرين ألفأن فلما فعل ذلك تمكن من أمره، وأمر بتخريب سور آمل، وسور سارية، وسور طميس، فخربت الأسوار.
وبني سرخاستان سوراً من طميس إلى البحر، مقدار ثلاثة أميال، كانت الأكاسرة بنته لتمنع الترك من الغارة على طبرستان، وجعل له خندقأن ففزع أهل جرجان، وخافوأن فهرب بعضهم إلى نيسابور، فأنفذ عبد الله ابن طاهر عمه الحسن بن الحسين بن مصعب في جيش كثيف لحفظ جرجان، وأمره أن ينزل على الخندق الذي عمله سرخاستان، فسار حتى نزله، وصار بينه وبين سرخاستان صاحب الخندق، ووجه أيضاً ابن طاهر حيان بن جبلة في أربعة آلاف إلى قومس، فعسكر على حد جبال شروين، ووجه المعتصم من عنده محمد بن إبراهيم بن مصعب أخا إسحاق بن إبراهيم، ومعه الحسن ابن قارن الطبري، ومن كان عنده من الطبرية، ووجه المنصور بن الحسن صاحب دنباوند إلى الري ليدخل طبرستان من ناحية الري، ووجه أبا الساج إلى اللارز ودنباوند.
فلما أحدقت الخيل بمازيار من كل جانب كان أصحاب سرخاستان يتحدثون مع أصحاب الحسن بن الحسين، حتى استأنس بعضهم ببعض، فتوامر بعض أصحاب الحسن في دخول السور، فدخلوه إلى أصحاب سرخاستان على غفلة من الحسن، ونظر الناس بعضهم إلى بعض، فثاروأن وبلغ الخبر إلى الحسن، فجعل يصيح بالقوم، ويمنعهم خوفاً عليهم، فلم يقفوأن ونصبوا علمه على معسكر سرخاستان؛ وانتهى الخبر إلى سرخاستان، وهوفي الحمام، فهرب في غلالة، وحيث رأى الحسن أن أصحابه قد دخلوا السور قال: اللهم إنهم عصوني وأطاعوك، فانصرهم.
وتبعهم أصحابه حتى دخلوا إلى الدرب من غير مانع، واستولوا على عسكر سرخاستان، وأسر أخوه شهريار، ورجع الناس عن الطلب لما أدركهم الليل، فقتل الحسن شهريار، وسار سرخاستان حافياً فجهده العطش، فنزل عن دابته، وشدهأن فبصر به رجل من أصحابه، وغلام اسمه جعفر، وقال سرخاستان: يا جعفر! تسقني ماء، فقد هلكت عطشاً؛ فقال: ليس عندي ما أسقيك فيه.
قال جعف: واجتمع إلي عدة من أصحابي، فقلت لهم: هذا الشيطان قد أهلكنأن فلم لا نتقرب إلى السلطان به، ونأخذ لأنفسنا الأمان؟ فثاورناه، وكتفناه، فقال لهم: خذوا مني مائة ألف درهم واتركوني، فإن العرب لا تعطيكم شيئاً؛ فقالوا: أحضرها! فقال: سيروا معي إلى المنزل لتقبضوهأن وأعطيكم المواثيق على الوفاء، فلم يفعلوأن وساروا به نحوعسكر المعتصم، ولقيتهم خيل الحسن بن الحسين، فضربوهم، وأخذوه منهم، وأتوا به الحسن، فأمر به فقتل.
وكان عند سرخاستان رجل من أهل العراق يقال له أبوشاس يقول الشعر، وهوملازم له ليتعلم منه أخلاق العرب، فلما هجم عسكر العرب على سرخاستان انتهبوا جميع ما لأبي شاس، وخرج، واخذ جرة فيها ماء، واخذ قدحأن وصاح: الماء للسبيل، وهرب، فمر بمضرب كاتب الحسن، فعرفه أصحابه، فادخلوه إليه، فأكرمه وأحسن إليه، وقال له: قل شعراً تمدح به الأمير، فقال: والله ما بقي في صدري شيء من كتاب الله من الخوف، فكيف أحسن الشعر؟ ووجه الحسن برأس سرخاستان إلى عبد الله بن طاهر؛ وكان حيان بن جبلة مولى عبد الله بن طاهر قد أقبل مع الحسن، كما ذكرنأن وهوبناحية طميس، وكاتب قارن بن شهريار، وهوابن أخي مازيار، ورغبه في المملكة، وضمن له أن يملكه على جبال أبيه وجده، وكان قارن من قواد مازيار، وقد أنفذه مازيار مع أخيه عبد الله بن قارن، ومعه عدة من قواده، فلما استماله حيان ضمن له قارن أن يسلم إليه الجبال ومدينة سارية إلى حدود جرجان، على هذا الشرط، وكتب بذلك حيان إلى عبد الله بن طاهر، فأجابه إلى كل ما سأل، وأمر حيان أن لا يوغل حتى يستدل على صدق قارن، وهوأخومازيار، ودعا جميع قواده إلى طعامه، فلما وضعوا سلاحهم واطمأنوا أحدق بهم أصحابه في السلاح، وكتفهم ووجه بهم إلى حيان، فلما صاروا إليه استوثق منهم، وركب في اصحبه حتى دخل جبال قارن.
وبلغ الخبر مازيار فاغتم لذلك، فقال له القوهيار: في حبسك عشرون ألفاً من بين حائك، وإسكاف، وحداد، وقد شغلت نفسك بهم، وإمنا أتيت من مأمنك وأهل بيتك، فما تصنع بهؤلاء المحبسين عندك؟ قال: فأطلق مازيار جميع من في حبسه، ودعا جماعة من أعيان أصحابه، وقال لهم: إن بيوتكم في السهل، وأخاف أن يؤخذ حرمكم وأموالكم، فانطلقوا وخذوا لأنفسكم أماناً ففعلوا ذلك.
ولما بلغ أهل سارية أخذ سرخاستان ودخول حيان جبل شروين وثبوا على عامل مازيار بسارية، فهرب منهمن وفتح الناس السجن، وأخرجوا من فيه؛ وأتى حيان إلى مدينة سارية، وبلغ قوهيار أخا مازيار الخبر، فأرسل إلى حيان مع محمد بن موسى بن حفص يطلب الأمان، وأن يملك على جبال أبيه وجده ليسلم إليه مازيار، فحضر عند حيان ومعه أحمد ابن الصقر، وأبلغاه الرسالة، فأجاب إلى ذلك.
فلما رجعا رأى حيان تحت أحمد فرساً حسنأن فأرسل إليه وأخذه منه، فغضب أحمد من ذلك وقال: هذا الحائك العبد يفعل بشيخ مثلي ما فعل! ثم كتب إلى قوهيار: ويحك! لم تغلط في أمرك وتترك مثل الحسن ابن الحسين عم الأمير عبد الله بن طاهر، وتدخل في أمان هذا العبد الحائك، وتدفع إليه أخاك، وتضع قدرك، وتحقد عليك الحسن بتركك إياه، وبميلك إلى عبد من عبيده؟
فكتب إليه قوهيار: أراني قد غلطت في أول الأمر، وعدت الرجل أن أصير إليه بعد غد، ولا آمن إن خالفته أن يناهضني ويستبيح دمي ومنزلي وأموالي، وإن قاتلته، فقتلت من أصحابه، وجرت الدماء فسد كل ما عملناه، ووقعت الشحناء.
فكتب إليه أحمد: إذا كان يوم الميعاد فابعث إليه رجلاً من أهلك، وأكتب إليه أنه قد عرضت علة منعتني عن الحركة، وأنك تتعالج ثلاثة أيام، فإن عوفيت، وإلا سرت إليك في محمل، وسنحمله نحن على قبول ذلك، فأجابه إليه، وكتب أحمد بن الصقر، ومحمد بن موسى بن حفص إلى الحسن بن الحسين وهوبطميس: أن اقدم علينا لندفع إليك مازيار والخيل، وإلا فاتك؛ ووجها الكتاب إليه مع من يستحثه.
فلما وصل الكتاب ركب من ساعته، وسار مسيرة ثلاثة أيام في ليلة، وانتهى إلى سارية، فلما أصبح تقدم إلى خرماباذ، وهوالموعد بين قوهيار وحيان، وسمع حيان وقع طبول الحسن، وفتلقاه على فرسخ، فقال له الحسن: ما تصنع ها هنا؟ ولم توجه إلى هذا الموضع؟ وقد فتحت جبال شروين وتركتهأن فما يؤمنك أن يغدر أهلهأن فينتقض جميع مات عملنا؟ ارجع إليهم حتى لا يمكنهم الغدر إن هموا به. فقال حيان: أريد أن أحمل أثقالي وآخذ أصحابي؛ فقال له الحسن: سر أنت، فأنا باعث بأثقالك وأصحابك.
فخرج حيان من فوره، كما أمره، وأتاه كتاب عبد الله بن طاهر أن يعسكر بكور، وهي من جبال وندادهرمز، وهي أحصنهأن وكانت أموال مازيار بهأن فأمر عبد الله أن لا يمنع قارن مما يريد من الأموال والجبال، فاحتمل قارن مما كان بها وبغيرها من أموال مازيار وسرخستان، وانتقض على حيان ما كان عمله بسبب شرهه إلى ذلك الفرس، وتوفي بعد ذلك حيان، فوجه عبد الله مكانه عمه محمد بن الحسين ين مصعب، وسار الحسن بن الحسين إلى خرماباذ، فأتاه محمد بن موسى بن حفص، وأحمد بن الصقر، فشكرهما وكتب إلى قوهيار، فأتاه، فأحسن إليه الحسن، وأكرمه، وأجابه إلى جميع ما طلب إليه منه لنفسه وتواعدوا يوماً يحضر مازيار عنده.
ورجع قوهيار إلى مازيار، فأعلمه أنه قد أخذ له الأمان، واستوثق له. وركب الحسن يوم الميعاد وقت الظهر، ومعه ثلاثة غلمان أتراك، وأخذ إبراهيم بن مهران يدله على الطريق إلى أرم، فلما قاربها خاف إبراهيم، وقال: هذا موضع لا يسلكه إلا ألف فارس، فصاح به: امض! قال: فمضيت وأنا طائش العقل، حتى وافينا ارم، فقال: أين طريق هرمزباذ قلت: على هذا الجيل في هذا الطريق، فقال: سر إليهاّ فقلت: الله الله في نفسك وفينأن وفي هذا الخلق الذين معك، فصاح: امض يا ابن اللخناء! فقلت: اضرب عنقي أحب إلي من أن يقبلني مازيار، ويلزمني الأمير عبد الله الذني. فانتهرني حتى ظننت أنه يبطش بي، فسرت وأنا خائف فأتينا هرمزباذ مع اصفرار الشمس، فنزل فجلس ونحن صيام.
وكانت الخيل قد تقطعت لأنه ركب بغير علم الناس، فعلموا بعد مسيره. قال: وصلينا المغرب، وأقبل الليل، وإذ بفرسان بين أيديهم الشمع مشتعلأن مقبلين من طريق لبورة، فقال الحسن: أين طريق لبورة؟ فقلت: أرى عليه فرساناً ونيرانأن وأنا داهش لا أقف على حقيقة الأمر، حتى قربت النيران، فنظرت، فإذا المازيار مع القوهيار، فنزلأن وتقدم مازيار فسلم على الحسن، فلم يرد عليه السلام، وقال لرجلين من أصحابه: خذاه إليكمأن فأخذاه، فلما كان السحر وجه السن مازيار معهما إلى سارية، وسار الحسن إلى هرمزاباذ، فأحرق قصر مازيار، وانهب ماله وسار إلى خرماباذ، وأخذ إخوة مازيار فحبسوا هنالك، ووكلوا بهم، وسار إلى مدينة سارية، فأقام بهأن وحبس ماززيا.
ووصل محمد بن إبراهيم بن مصعب إلى الحسن بن الحسين، فسار به ليناظره في معنى المال الذي لمازيار وأهله، فكتب إلى عبد الله بن طاهر، فأمر الحسن بتسليم مازيار وأهله إلى محمد بن إبراهيم ليسير بهم إلى المعتصم، وأمره أن يستقصي على أموالهم ويحرزهأن فاحضر مازيار وسأله عن أمواله، فذكر أنها عند خزانة، وضمن قوهيار ذلك، وأشهد على نفسه، وقال مازيار: اشهدوا علي أن جميع ما أخذت من أموالي ستة وتسعون ألف دينار، وسبع عشرة قطعة زمرد، وست عشرة قطعة ياقوت، وثمانية أحمال من ألوان الثياب، وتاج، وسيف مذهب مجوهر، وخنجر من ذهب مكلل بالجوهر، وحق كبير مملوء جوهرً، قيمته ثمانية عشر ألف ألف ردهم، وقد سلمت ذلك إلى خازن عبد الله بن طاهر، وصاحب خبره على العسكر.
وكان مازيار قد استخلف هذا ليوصله إلى الحسن بن الحسين ليظهر للناس والمعتصم أنه أمنه على نفسه، وماله، وولده، وأنه جعل له جبال أبيه، فامتنع الحسن من قبوله، وكان أعف الناس.
فلما كان الغد أنفذ الحسن مازيار إلى المعتصم مع يعقوب بن المنصور، ثم أمر الحسن قوهيار أن يأخذ بغاله ليحمل عليها مال مازيار، فأخذهأن وأراد الحسن أن ينفذ معه جيشأن فقال: لا حاجة لي بهم.
وسار هووغلمانه، فلما فتح الخزائن، وأخرج الأموال وعبأها ليحملهأن وثب عليها مماليك المرزبان، وكانوا ديالمة، وقالوا: غدرت بصاحبنأن وأسلمته إلى العرب، وجئت لتحمل أمواله! وكانوا ألفاً ومائتين، فأخذوه، وقيدوه، فلما جنهم الليل قتلوه، وانتهبوا الأموال والبغال؛ فانتهى الخبر إلى الحسن ابن الحسين، فوجه جيشأن ووجه قارن جيشأن فأخذ أصحاب قارن منهم عدة منهم ابن عم مازيار يقال له: شهريار بن المصمغان، وكان هويحرضهم، فوجهه قارن إلى عبد الله بن طاهر فمات بقومس.
وعلم محمد بن إبراهيم خبرهم، فأرسل في أثرهم، فاخذوأن وبعث بهم إلى مدينة سارية.
وقيل: إن السبب في أخذ مازيار كان ابن عم له اسمه قوهيار كان له جبال طبرستان وكان لمازيار السهل؛ وجبال طبرستان ثلاثة أجبل: جبل وندادهرمز، وجبل أخيه ونداسنجان، والثالجبل شروين بن سرخاب، فقوي مازيار، وبعث إلى ابن عمه قوهيار، وقيل هوأخوه فألومه بابه، وإلى الجيل والياً من قبله له دري، فلما خالف مازيار واحتاج إلى الرجال دعا قوهيار، وقال له: أنت أعرف بجبلك من غيرك، وأظهره على أمر الأفشين، ومكاتبته، وأمره بالعود إلى جبله، وحفظه، وأمر الدري بالمجيء إليه، فأتاه فضم إليه العساكر، ووجهه إلى محاربة الحسن بن الحسين، عم عبد الله بن طاهر.
وظن مازيار أنه قد استوثق من الجبل بقوهيار، وتوثق من المواضع المخوفة بدري وعساكره، واجتمعت العساكر عليه، كما تقدم ذكره، وقربت منه.
وكان مازيار، في مدينته، في نفر يسير، فدعا قوهيار الحقد الذي في قلبه على مازيار وما صنع به إلى أن كاتب الحسن بن الحسين، وأعلمه جميع ما في عسكره ومكاتبه الافشين، فأنفذ الحسن كتاب قوهيار إلى عبد الله بن طاهر، فأنفذه عبد الله إلى المعتصم، وكاتب عبد الله والحسن قوهيار، وضمنا له جميع ما يريد، وأن يعيد إليه جبله، وما كان بيده لا ينازعه فيه أحد، فرضي بذلك، وواعدهم يوماً يسلم فيه الجبل.
فلما جاء الميعاد تقدم الحسن فحارب دري، وأرسل عبد الله بن طاهر جيشاً كثيفأن فوافوا قوهيار، فسلم إليهم الجبل، فدخلوه، ودري يحارب الحسن ومازيار في قصره، فلم يشعر مازيار إلا والخيل على باب قصره، فأخذوه أسيراً.
وقيل إن مازيار كان يتصيد، فأخذوه وقصدوا به نحودري وهويقاتل، فلم يشعر هووأصحابه إلا وعسكر عبد الله من ورائهم، ومعهم مازيار، فاندفع دري وعسكره، واتبعوه، وقتلوه، وأخذوا رأسه وحملوه إلى عبد الله بن طاهر، وحملوا إليه مازيار، فوعده عبد الله بن طاهر إن هوأظهره على كتب الأفشين أن يسأل فيه المعتصم ليصفح عنه، فأقر مازيار بذلك، وأظهر الكتب عند عبد الله بن طاهر، فسيرها إلى إسحاق بن إبراهيم، وسير مازيار، وأمره أن لا يسلمها إلا من يده إلى يد المعتصم، ففعل إسحاق ذلك، فسأل المعتصم مازيار عن الكتب، فأنكرهأن فضربه حتى مات، وصلبه إلى جانب بابك.
وقيل إن مخالفة مازيار كانت سنة خمس وعشرين، والأول أصح، لأن قتله كان في سنة خمس وعشرين، وقيل إنه اعترف بالكتب على ما نذكره إن شاء الله تعالى.

.ذكر عصيان منكجور قرابة الأفشين:

لما فرغ الأفشين من بابك وعاد إلى سامرأن استعمل على أذربيجان، وكان في عمله منكجور، وهومن أقاربه، فوجد في بعض قرى بابك مالاً عظيمأن ولم يعلم به المعتصم، ولا الأفشين، فكتب صاحب البريد إلى المعتصم، وكتب منكجور يكذبه، فتناظرأن فهم منكجور ليقتله، فمنعه أهل أردبيل، فقاتلهم منكجور.
وبلغ ذلك المعتصم، فأمر الأفشين بعزل منكجور، فوجه قائداً في عسكر ضخم، فلما بلغ منكجور الخبر خلع الطاعة، وجمع الصعاليك، وخرج من أردبيل، فواقعه القائد، فهزمه، وسار إلى حصن من حصون أذربيجان التي كان بابك خربهأن فبناه، وأصلحه، وتحصن فيه، فبقي به شهراً.
ثم وثب به أصحابه، فأسلمه إلى ذلك القائد، فقدم به إلى سامرأن فحبسه المعتصم، واتهم الأفشين في أمره؛ وكان قدومه سنة خمس وعشرين ومائتين؛ وقيل إن ذلك القائد الذي أنفذ إلى منكجور كان بغا الكبير، وإن منكجور خرج إليه بأمان.

.ذكر ولاية عبد الله الموصل وقتله:

في هذه السنة عصى بأعمال الموصل إنسان من مقدمي الأكراد اسمه جعفر ابن فهرجس، وتبعه خلق كثير من الأكراد وغيرهم ممن يريد الفساد، فاستعمل المعتصم عبد الله بن السيد بن أنس الأزدي على الموصل، وأمره بقتال جعفر، فسار عبد الله إلى الموصل، وكان جعفر بما نعيس قد استولى عليهأن فتوجه عبد الله إليه، وقاتله وأخرجه ما نعيس.
فقصد جبل داسن، وامتنع بموضع عال فيه لا يرام، والطريق إليه ضيق، فقصد عبد الله إلى هناك، وتوغل في تلك المضايق، حتى وصل إليه وقاتله، فاستظهر جعفر ومن معه من الأكراد على عبد الله لمعرفتهم بتلك المواضع وقوتهم على القتال بها رجالة، فانهزم عبد الله وقتل أكثر من معه.
وممن ظهر منهم إنسان اسمه رباح حمل على الأكراد، فخرق صفهم، وطعن فيهم، وقتل، وصار وراء ظهورهم، وشغلهم عن أصحابه، حتى نجا منهم من أمكنه النجاة، فتكاثر الأكراد عليه، ألقى نفسه من رأس الجبل على فرسه، وكان تحته نهر، فسقط الفرس في الماء وجاء رباح.
وكان فيمن أسره جعفر رجلان أحدهما اسمه إسماعيل والآخر إسحاق ابن أنس، وهم عم عبد الله بن السيد، وكان إسحاق صهر جعفر، فقدمهما جعفر إليه، فظن إسماعيل أنه يقتله، ولا يقتل إسحاق للصهر الذي بينهمأن فقال: يا إسحاق أوصيك بأولادي؛ فقال له إسحاق: أتظن أنك تقتل وأبقى بعدك؟ ثم التفت إلى جعفر فقال: أسألك أن تقتلني قبله لتطيب نفسه؛ فبدأ به فقتله، وقتل إسماعيل بعده.
فلما بلغ ذلك المعتصم أمر إيتاخ بالمسير إلى جعفر وقتاله، فتجهز، وسار إلى الموصل سنة خمس وعشرين، وقصد جبل داسن، وجعل طريقه على سوق الأحد، فالتقاه جعفر، فقاتله قتالاً شديدأن فقتل جعفر، وتفرق أصحابه، فانكشف شره وأذاه عن الناس.
وقيل إن جعفراً شرب سماً كان معه فمات، وأوقع إيتاخ بالأكراد، فأكثر القتل فيهم، واستباح أموالهم، وحشر الأسرى والنساء والأموال إلى تكريت.
وقيل: إن إيقاع إيتاخ بجعفر كان سنة ست وعشرين، والله أعلم.

.ذكر غزاة المسلمين بالأندلس:

وفي هذه السنة سير عبد الرحمن عبد الله المعروف ابن البلنسي إلا بلاد العدو، فوصلوا إلى ألبة والقلاع، فخرج المشركون إليه في جمعهم، وكان بينهم حرب شديدة، وقتال عظيم، فانهزم المشركون وقتل منهم ما لا يحصى، وجمعت الرؤوس أكداسأن حتى كان الفارس لا يرى من يقابله.
وفيها خرج لذريق في عسكره، وأراد الغارة على مدينة سالم من الأندلس، فسار إليه فوتون بن موسى في عسكر رار، فلقيه وقاتله، فانهزم لذريق وكثر القتل في عسكره، وسار فرتون إلى الحصن الذي كان بناه أهل ألبة بإزاء ثغور المسلمين، فحصره، وافتتحه وهدمه.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة تولى جعفر بن دينار اليمن.
وفيها تزوج الحسين بن الأفشين أتراجة ابنة أشناس، ودخل بها في قصر المعتصم في جمادى الآخرة، وأحضر عرسها عامة أهل سامرأن وكانوا يغلفون العامة بالغالية، وهي في تيغار من فضة.
وفيها امتنع محمد بن عبد الله الورثاني بورثان، ثم عاود الطاعة، وقدم على المعتصم بأمان سنة خمس وعشرين ومائتين.
وفيها مات ناطس الرومي وصلب بسامرا.
وفيها مات إبراهيم بن المهدي في رمضان، وصلى عليه المعتصم؛ وحج بالناس محمد بن داود.
وفيها وقع بإفريقية فتنة كان فيها حرب بين عيسى بن ريعان الأزدي وبين لواتة وزواغة ومكناسة، فكانت الحرب بين قفصة وقسطيلية، فقتلهم عيسى عن آخرهم.
وفيها اجتمع أهل سجلماسة مع مدرار بن أليسع على تقديم ميمون بن مدرار في الإمارة على سجلماسة وإخراج أخيه المعروف بابن تقية، فلما استقر الأمر لميمون أخرج أباه وأمه إلى بعض قرى سجلماسة.
وفيها فتح نوح بن أسد كاسان وأورشت، بما وراء النهر، وكانتا قد نقضتا الصلح، وافتتح أيضاً اسبيجاب، وبنى حوله سوراً يحيط بكروم أهله ومزارعهم.
وفيها مات أبوعبيد القاسم بن سلام الإمام اللغوي، وكان عمره سبعاً وستين سنة كانت وفاته بمكة.
سلام بتشديد اللام.

.حوادث سنة خمس وعشرين ومائتين:

.ذكر وصول مازيار إلى سامرا:

في هذه السنة كان وصول مازيار إلى سامرأن فخرج إسحاق بن إبراهيم فأخذه من الدسكرة، وأدخله سامرا على بغل بأكاف، لانه امتنع من ركوب الفيل، فأمر المعتصم أن يجمع بينه وبين الأفشين.
وكان الأفشين قد حبس قبل ذلك بيوم، فأقر مازيار أن الأفشين كان يكاتبه، ويحسن له الخلاف والمعصية، فأمر برد الأفشين إلى محبسه وضرب مازيار أربعمائة وخمسين سوطأن وطلب ماء للشرب، فسقي، فمات من ساعته.
وقيل ما تقدم ذكره، وقد تقدم من اعتراف مازيار بكتب الأفشين في غير موضع ما يخالف هذأن وسببه اختلاف الناقلين.

.ذكر غضب المعتصم على الأفشين وحبسه:

وفي هذه السنة غضب المعتصم على الأفشين وحبسه.
وكان سبب ذلك أن الأفشين كان أيام محاربة بابك لا تأتيه هدية من أهل أرمينية وأذربيجان إلا وجه بها إلى اشروسنة، فيجتاز بذلك بعبد الله بن طاهر، فيكتب عبد الله إلى المعتصم يعرفه الخبر، فكتب إليه المعتصم يأمره بإعلامه بجميع ما يوجه به الأفشين، ففعل ذلك عبد الله ذلك، فكان الأفشين كلما اجتمع عنده مال يجعله على أوساط أصحابه في الهمايين ويسيره إلى أشروسنة.
فأنفذ مرة مالاً كثيرأن فبلغ أصحابه إلى نيسابور، فوجه عبد الله بن طاهر، ففتشهم، فوجد المال في أوساطهم، فقال: من أين لكم هذا المال؟ فقالوا: للأفشين؛ فقال: كذبتم، لوأراد أخي الأفشين أن يرسل مثل هذه الهدايا والأموال لكتب يعلمني ذلك الأمر بتسييره، وإمنا أنتم لصوص.
وأخذ عبد الله المال فأعطاه الجند، وكتب إلى الأفشين يذكره له ما قال القوم، وقال: أنا أنكر أن تكون وجهت بمثل هذا المال ولم تعلمني، وقد أعطيته الجند عوض المال الذي يوجهه أمير المؤمنين، فغن كان المال لك كما زعموا فإذا جاء المال من عند أمير المؤمنين رددته عليك، وإن يكن غير هذأن فأمير المؤمنين أحق بهذا المال، وإمنا دفعته إلى الجند لأني أريد أن أوجههم إلى بلاد الترك.
فكتب إليه الأفشين: إن مالي ومال أمير المؤمنين واحد، وسأله إطلاق القوم، فأطلقهم، فكان ذلك سبب الوحشة بينهما.
وجعل عبد الله يتتبعه، وكان الأفشين يسمع من المعتصم ما يدل على أنه يريد عزل عبد الله عن خراسان، فطمع في ولايتهأن فكاتب مازيار يحسن له الخلاف ظناً منه أنه إذا خالف عزل المعتصم عبد الله عن خراسان واستعمله عليهأن وأمره بمحاربة مازيار، فكان من أمر مازيار ما تقدم؛ وكان من عصيان منكجور ما ذكرناه أيضأن فتحقق المعتصم أمر الأفشين، فتغير عليه.
وأحس الأفشين بذلك، فلم يدر ما يصنع، فعزم على أن يهيئ أطوافاً في قصره، ويحتال في يوم شغل المعتصم وقواده أن يأخذ طريق الموصل، ويعبر الزاب على تلك الأطواف، ويصير إلى أرمينية، وكانت ولاية أرمينية إليه، ثم يصير إلى بلاد الخزر، ثم يدور في بلاد الترك، ويرجع إلى أشروسنة، أويستميل الخزر على المسلمين، فلم يمكنه ذلك، فعزم على أن يعمل طعاماً كثيرأن ويدعوالمعتصم والقواد، ويعمل فيه سمأن فإن لم يجيء المعتصم عمل ذلك بالقواد مثل أشناس وإيتاخ وغيرهمأن يوم تشاغل المعتصم، فإذا خرجوا من عنده سار في أول الليل، فكان في تهيئة ذلك.
فكان قواده ينوبون في دار المعتصم، كما يفعل القواد، فكان أواجن الأشروسني قد جرى بينه وبين من قد اطلع على أمر الأفشين حديث، فقال أواجن: لا يتم هذا الأمر، فذهب ذلك الرجل إلى الأفشين فأعلمه، فتهدد أواجن، فسمعه بعض من يميل إلى أواجن من خدم الأفشين، فأتاه ذلك الخادم فأعلمه الحال بعد عوده من النوبة، فخاف على نفسه، فخرج إلى دار المعتصم، فقال لإيتاخ: إن لأمير المؤمنين عندي نصيحة؛ قال قد نام أمير المؤمنين، فقال أواجن: لا يمكنني أن أصبر إلى غد، فدق إيتاخ الباب على بعض من يخبر المعتصم بذلك، فقال المعتصم: قل له ينصرف الليلة إلى غد! فقال: إن انصرفت ذهبت نفسي، فأرسل المعتصم إلى إيتاخ: بيته عندك الليلة.
فبيته عنده، فلما أصبح الصباح بكر به على باب المعصم، فأخبره بجميع ما كان عنده، فأمر المعتصم بإحضار الأفشين، فجاء في سواده، فأمر بأخذ سواده وحبسه في الجوسق، وكتب المعتصم إلى عبد الله بن طاهر في الاحتيال على الحسين بن الأفشين، وكان الحسين قد كثرت كتبه إلى عبد الله، فشكا من ونوح بن الأسد الأمير بما وراء النهر، وتحامله على ضياعه، وناحيته، فكتب عبد الله إلى نوح يعلمه ما كتب به المعتصم في أمر الحسين، ويأمره أن يجمع أصحابه ويتأهب، فإذا قدم عليه الحسين بكتاب ولايته فخذه، واستوثق منه، واحمله إليّ.
وكتب عبد الله إلى الحسين يعلمه أنه قد عزل نوحأن وأنه قد ولاه ناحيته، ووجه إليه بكتاب عزل نوح وولايته، فخرج ابن الأفشين في قله من أصحابه وسلاحه، حتى ورد على نوح، وهويظن أنه والي الناحية، فأخذ نوح وقيده، ووجهه إلى عبد الله بن طاهر، فوجه به عبد الله إلى المعتصم، فأمر المعتصم بإحضار الأفشين ليقابل على ما قيل عنه، فاحضر عند محمد بن عبد الملك الزيات، وزير المعتصم، وعنده ابن أبي دؤاد وإسحاق بن إبراهيم، وغيرهما من الأعيان، وكان المناظر له ابن الزيات، فأمر بإحضار مازيار، والموبذ، والمرزبان بن بركش، وهوأحد ملوك السغد، ورجلين من أهل السغد، فدعا محمد بن عبد الملك بالرجلين، وعليهما ثياب رثة، فقال لهما: ما شأنكمأن فكشفا عن ظهورهمأن وهي عارية من اللحم، فقال للأفشين: أتعرف هؤلاء؟ قال: نعم، هذا مؤذن وهذا إمام بنيا مسجداً بأشروسنة، فضربت كل واحد منهما ألف سوط، وذلك أن بيني وبين ملك السغد عهداً وشرطاً أن أترك كل قوم على دينهم، فوثب هذان على بيت كان فيه أصنام أهل أشروسنة، فأخرجا الأصنام وجعلاه مسجدأن فضربتهما على هذا.
قال ابن الزيات: ما كتاب عندك قد حليته بالذهب والجوهر فيه الكفر بالله تعالى؟ قال: كتاب ورثته عن أبي فيه من آداب العجم وكفرهم فكنت آخذ الآداب وأترك الكفر، ووجدته محلى، فلم أحتج إلى أخذ الحلية منه، وما ظننت أن هذا يخرج من الإسلام.
ثم تقدم الموبذ فقال: إن هذا يأكل لحم المخنوقة، ويحملني على أكلهأن ويزعم أنها رطب من المذبوحة. وقال لي يوماً: قد دخلت لهؤلاء القوم في كل شيء أكرهه، حتى أكلت الزيت، وركبت الجمل، والبغل، غير أني هذه الغاية لم تسقط عني شعرة، يعني أخذ شعر العانة، ولم أختتن.
فقال الأفشين: أخبروني عن هذه أثقة هوفي دينه؟ وكان مجوسيأن وإمنا أسلم أيام المتوكل، فقالوا: لا! فقال: فما معنى قبول شهادته؟ ثم قال لموبذ: أليس كنت أدخلك علي وأطلعك على سري؟ قال: بلى! قال: لست بالثقة في دينك، ولا بالكريم في عهدك، إذا أفشيت سراً أسررته إليك.
ثم تقدم المرزبان فقال: كيف يكتب إليك أهل بلدك؟ قال: لا أقول! قال: أليس يكتبون بكذا بالاشروسنية؟ قال: بلى! قال: أليس تفسيره بالعربية: إلى إله الآلهة من عبده فلان بن فلان؟ قال: بلى! قال: محمد بن عبد الملك الزيات: المسلمون لا يحتملون هذأن فما أبقيت لفرعون قال: هذه كانت عادتهم لأبي وجدي ولي قبل أن أدخل في الإسلام، فكرهت أن أضع نفسي دونهم فتفسد علي طاعتهم.
ثم تقدم مازيار قالوا للأفشين: هل كاتبت هذا؟ قال: لا! قالوا لمازيار: هل كتب إليك؟ قال: نعم، كتب أخوه إلى أخي قوهيار أنه لم يكن ينصر هذا الدين الأبيض غيري وغيرك، فأما بابك فإنه لمقته قتل نفسه، ولقد جهدت أن أصرف عنه الموت، فأبى لحمقه إلا أن أوقعه، فإن خالفت لم يكن للقوم من يرمونك به غيري، ومعي الفرسان، وأهل النجدة، فإن وجهت إليك لم يبق أحد يحاربنا إلا ثلاثة: العرب، والمغاربة، والأتراك والعربي بمنزلة الكلب اطرح له كسرة واضرب رأسه، والمغاربة أكلة راس، والأتراك، فإمنا هي ساعة حتى تنفد سهامهم، ثم تجول الخيل عليهم جولة فتأتي على آخرهم، ويعود الدين إلى ما يزل عليه أيام العجم.
فقال الأفشين: هذا يدعي أن أخي كتب إلى أخيه: لا يجب عليّ، ولوكتبت هذا الكتاب إليه لأستميله إليّ ويثق بي، ثم آخذه بقفاه، وأحظى به عند الخليفة، كما حظي عبد الله بن طاهر، فزجره ابن أبي دؤاد، فقال الأفشين: يا أبا عبد الله أنت ترفع طيلسانك فلا تضعه حتى يقاتل جماعة.
فقال له ابن أبي دؤاد: أمطهر أنت؟ قال: لا! قال: فما منعك من ذلك وبه تمام الإسلام، والطهور من النجاسة؟ فقال: أوليس في الإسلام استعمال التقية؟ قال: بلى! قال: خفت أن أقطع ذلك العضومن جسدي فأموت؛ فقال: أنت تطعن بالرمح، وتضرب بالسيف، فلا يمنعك ذلك أن يكون ذلك في الحرب، وتجزع من قطع قلفة؟ قال: تلك ضرورة تصيبني فأصبر عليهأن وهذا شيء استجلبه.
فقال ابن أبي دؤاد: قد بان لكم أمره، فقال لبغا الكبير: عليك به! فضرب بيده على منطقته، فجذبهأن واخذ بمجامع القباء عند عنقه، ورده إلى محبسه.